يوميات دينا ابو الوفا … عارفين
بالرغم من ان اليوم كان اول ايّام عيد الفطر المبارك ، وتعددت الخيارات أمامنا كعائلة لكيفية قضاء هذا اليوم معاً ، الا اننا اخترنا ان نخرج جميعاً ونتجه مباشرة الى النادى لمشاهدة اولى مباريات المنتخب المصرى فى كاس العالم ، مع الجموع العريضة ، امام شاشة عرض ضخمة ومكبرات صوت جبارة !! ….
ولا أخفيكم سراً اننا كنّا جميعاً غاية فى التوتر والقلق ، ولكنى من بين عائلتى كنت الأكثر قلقاً وتوترا، لانى سبقت الأحداث قليلاً وتخيلت اسوأ الافتراضات وهى ان نخسر امام أوروجواي بفارق أهداف كبير مما يجعل مهمتى صعبة كأم فى احتواء الموقف والشد من أزر اولادى وبالأخص ابنى !!!
تابعنا المباراة ، بعيون جاحظة احياناً وأحيانا اخرى مغلقة بإحكام ، بقلوب تتسارع دقاتها مع كل هجمة لمنتخبنا تارة ، وقلوب اوشكت على التوقف مع كل هجمة للفريق المنافس تارة اخرى ، بلحظات صياح وصراخ ودعوات تتبعها لحظات صمت وسكون تام
فتأرجحنا من الأسفل لأعلى ومن اعلى لأسفل طوال تسعين دقيقة حتى انتهت المباراة اخيرا بفوز المنتخب المنافس بعد صراع عنيف معنا
واحد صفر
نظرت لأولادى فوجدت علامات الاحباط وقد كست وجوههم وبدأت دموع ابنى الغالية تنهمر …. احتضنته بشدة قائلة ” تعيط لما نلعب وحش لكن لما نلعب كده لازم تفرح ، اتعلَّم تقرا الأمور صح علشان يكون رد فعلك صح”
” يا مامى احنا خسرنا الماتش ، حضرتك مش واخده بالك ولا ايه !!!! أمور ايه اللى اقرأها صح “
التزمت الصمت حتى عدنا الى السيارة ، حينها خرجت عّن صمتى ونظرت الى الخلف حيث يجلس ثلاثتهم واستطردت قائلة
” مين فيكم مكنش عنده رهبة من اول يوم مدرسة وهو صغير !!
طب مين فيكم مكنش ماليه الخوف من اول امتحان لمادة صعبة يدخله فى حياته !!
طب مين فيكم مخفش وهو داخل على امتحان شفوى صعب مع مدرس جامد وعنيف !!
ولا مين منكم مترعبش لما اترمى فى حمام سباحة لأول مره فى حياته واتقال له عوم !!ولا مين منتابوش قلق فى اول مرة يركب فيها طيارة !!
طب تفتكروا ، مين من الناس دى كلها مكنش قلقان مثلاً فى اول مره ساق فيها عربية لوحده بعد ما اتعلَّم السواقه علاطول !!
ومين في الناس كلها مكنش قلقان لدرجة الرعب من السفر والعيش مثلاً بره بلده
ومين من الناس مخفش وهو بيتجوز مثلا !!”
وضحكت ضحكة شريرة لعلى أخفف عنهم
“ومين في العالم مكنش بيقلق كل ما يجرب حاجة جديدة لأول مره فى حياته !!!
معتقدش ان حد فينا ممرش على الأقل بموقف او اتنين من دول ومحسش بالقلق والخوف والرهبة ويمكن كمان الرعب !!!!
انا بقول كده عشان أوصل معاكم لنقطة مهمة جداً وهى حقيقة مشاعر المنتخب المصرى انهارده !!!
اللى انا متاكدة منه انه لو كنّا دخلنا جواهم وبصينا بصة كده، كنا هنلاقى الخوف والرهبة والقلق ماليهم ….. وبصراحة اللى يستكتر الشعور ده عليهم يبقى فعلاً غلطان !!!
اللعيبة دى اول مره فى حياتها تلعب فى كاس العالم لأننا ببساطه مدخلناش كاس العالم من ٢٨ سنه يعنى تقريباً من اجمالى عمر اغلبهم
وأول مره كتير منهم يواجه لعيبه محترفه
مش بس كده ، لا ده على حظهم قابلوا أوروجواي اللى ترتيبها وتصنيفها ال ١٤ على العالم وفاز بكأس العالم أكتر من مرة ولو ذاكرتى مش خاينانى يبقوا فازوا بالتحديد مرتين !!!
ولاعيبتهم محترفين واتعرضوا للمباريات الدولية دى كتير وواخدين عليها وبالنسبة لهم عادى ، فى المقابل فريقنا لا
بيسافر روسيا لأول مرة ، بيلعب دولى وفى كاس العالم لأول مرة ، وبيواجه أوروجواي الشرسة لأول مرة ، وبيلعب من غير صلاح اللى بالنسبة ليه الحظاظة وصمام الأمان وطوق النجاة والملاك الحارس والفارس المغوار …
وبيلعب تحت ضغط أنه يلعب بشكل لائق ويظهر بمستوى عالى قدام ١٠٠ مليون مصرى وقدام العالم كله
مش بس كده ده شايل مسئولية انه يشرف ال ١٠٠ مليون دول ويخلى رأسهم مرفوعة فى السما !!!!
كل ده مش سهل ومش هين واللعب فى وسط كل المعطيات دى الحقيقة انه من اصعب الأمور
وعشان كده انا من الناس اللى مزعلتش من النتيجة ، لانه كنت داخله وانا عايزه ارفع راسى بعد المباراة … مش بس بجون ولا اتنين ولا فوز ساحق ماحق …. لا خالص لانه فى وسط المعطيات دى كنت عارفه ومتاكدة انه صعب من اول مباراة ، أصل المباراة الاولى زى اول مرة فى كل حاجة فى حياتنا ليها رهبتها !؟
كان كل املى انهم يلعبوا بقوة وجسارة ويجمدوا وينشفوا ويرموا الخوف ورا ضهرهم ويصمدوا حتى اللحظات الاخيرة وزى ما بيقولوا كده “يقفوا وقفة رجالة ” والحقيقة انهم كانوا “سيد الرجالة “
العبرة مش دايماً بالنهايات … انا عارفه انه الكورة أجوان اتربينا على كده من صغرنا !
لكن انا شايفه انه العبره ساعات كتير بتكون بالمجهود المبذول و قبول التحدى ومواجهته والصمود وتخطى الشعور بالخوف والرهبة
ممكن جداً فى حياتنا منوصلش للنهاية اللى كنّا بنرجوها ونتمناها ، لكن هيفضل عزاءنا الوحيد – واللى مخلى راسنا مرفوعة فى السما والنَّاس تصقف لنا فى كل الأحوال ونكسب احترام الجميع – هو شرف المحاولة هو شرف المقاومة هو شرف الجهد ، شرف اننا مشينا الطريق حتى واحنا متاكدين انه صعب علينا ، شرف اننا كملنا لحد خط النهايه ولآخر لحظة من غير ما ننخ ولا نجيب ورا ولا نرفع الراية البيضا ولا نخذل كل اللى واقفين مراهنين علينا …..
بصراحة ومن الاخر يكفينا فخراً ان فريقنا “وقف وقفة رجالة” ….
والحمد لله هدأ اولادى ، بعد ان استعنت بكثير من التعليقات والبوستات على الفيسبوك والتى وجدتها تؤيد وجهة نظرى وتشاركنى الفكر …
ابتسم اولادى وفرح ابنى وتخطى الشعور بالحزن والانكسار ، بل لمحت فى عينيه نظرة اعشقها …. نظرة فخر واعتزاز
اقرأ للكاتبة :
يوميات دينا ابو الوفا … عارفين