مصطفى التوني يكتب: الحدود متزعلش ولا إيه ؟

اعتدت أن أراه ضاحكاً بشوش الوجه إلا في هذا اليوم فاجأني وقال لي : بقولك يا صاحبي ، قلت له تفضل ياصديقي شكلك مش عاجبني ، قال والله يا أخي فلان عصبني بتدخله السافر فى حياتي رغم أنه صديقي جداً وعلاقتي به قوية لكن بحس إنه يتدخل أكثر من اللازم ،قلتله فاكر لما تكلمنا فى مرة عن العلاقات وقلت لك إن أي علاقة مهما تكون قوية إن لم تكن فى حدود ربما تنقلب بالعكس ؟ قال نعم تذكرت حتى وقتها قلت لى إن الشيء الذي يزيد عن حده ينقلب ضده.

قلت تمام ياصديقي ابدأ الآن فى وضع الحدود دون خسارة للعلاقات لأن محدش هيعيش لوحده وذي ما بيقولوا “اللي تطرده من على بابك يحوجك الزمان للبيات عنده” والحقيقة أنا اعتقادي وما أسير عليه هو أن الحياة بلا حدود ليس لها معنى ، كل شيء له حدود حتى الصبر له حدود على رأي الست “إنما للصبر حدود” لكن كثيراً منا لا تعجبه قضية الحدود في العلاقات رغم أن أنجح العلاقات بين البشر هي العلاقات التي بينها حدود مهما بلغت قوتها ، ويخطئ من يظن أن تحقيق علاقات حميمة يعني التّدخُّل في حياة المحيطين به، مهما تكُن نوع العلاقة سواء قرابة أو صداقة أو جيرة فكل هؤلاء من حقهم أن يكون لديهم خصوصيتهم التي لا يحبون أن يطلع عليها أحد. ولمن لا يعي أن الحدود في العلاقات هي سر نجاحه فلينظر إلى العلاقات بين الدول وكيف أن الحدود بينها هي سر نجاح تلك العلاقات وحفظ حقوق كل منها فلا أحد يستطيع أن ينشئ نظاماً أو علاقة دون وضع حدود والحدود هي سنة الله في خلقه فالله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق وضع لهم حدود وأمر ألا نقترب منها أو نتعداها ، ووصف الذين يتعدون حدوده بالظالمين قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وللأسف الشديد فإن الغرب أجاد فن الحدود في العلاقات عنا نحن العرب رغم أن ديننا أمرنا بها ، إلا أننا لا نقوم بالتطبيق نرفع الشعارات في هذا الصدد ولا نعمل بها ، فكثيراً ما نقول”من راقب الناس مات همّاًّ” وفي الوقت نفسه نلهث خلف معلومة عن صديق أو جار أو قريب ربما أخفاها لحاجة في نفسه. أما الغرب استطاع فهم الحدود في العلاقات مع الآخرين ، فهم يجيدون آداب الحديث واللباقة في التّعامُل معك ، لكنهم لا يتدخّلون فيما لا يعنيهم ولا يثرثرون كثيراً، بل ويرفضون ويعتبرون بأنّه من غير اللياقة والكياسة التّطفّل على حياة الآخَرين.

إن الدعوة لوضع حدود للعلاقات بين البشر إنما هي لتقوية تلك العلاقات وضمان استمراريتها لا إضعافها أو الحد منها. يا ولدي قد عاش سعيداً من وضع للعلاقات حدود.

اقرأ للكاتب

مصطفى التوني يكتب: إهانة المصريين بالخارج هل تتحملها الدولة؟

شكرا للتعليق على الموضوع