مونتريال: قمة حاسمة لإنقاذ الأنواع الحية من الانقراض الجماعي

مونتريال – كندا – التلغراف: يشهد التنوع البيولوجي أزمة في جميع أنحاء العالم. ويهدف مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (كوب 15)، الذي تنطلق أشغاله في مونتريال بكندا، إلى التوصل إلى اتفاقية تاريخية تعالج شبح الانقراض الجماعي للنباتات والحيوانات.

أعيش في إدنبرة (شمال المملكة المتحدة)، لكنني نشأت في منطقة ريفية. عندما كنت طفلا كنت أحب رسم الزهور البرية. لطالما كانت هناك مروج برية بالقرب منا، لكنها لم تعد موجودة”.

“أعيش حاليًا بالقرب من الشاطئ في لومبوك، بإندونيسيا. أثناء السباحة اليومية، لم أعد أصادف مطلقا الأسماك كما كان الحال من قبل”.

« اليراعات: في العادة كنت أراها من قبل في المساء، على جبل بريه، في تيتشينو».

هذه الشهادات المختارة، المستعارة من نقاش أطلقناه على موقعنا في وقت سابق، تُظهر ما يعانيه التنوّع البيولوجي، الكنز الحقيقي للحياة على كوكب الأرض، من تدهور متفاقم في جميع أنحاء العالم.

هذه التجارب الشخصية تمثل القطرات التي تشكل محيطًا نبّهت إليه دراسات لا حصر لها. ويُظهر إصدار 2022 من تقرير الصندوق العالمي للحياة البرية انخفاض أعداد حيوانات الفقاريات بنسبة 69٪ في المتوسط بين عامي 1970 و2018. ووفقًا لأحدث تقرير للتقييم العالمي للتنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي (IPEBES) لعام 2019، فإن 25٪ من الحيوانات والنباتات مهددة بالاندثار، وحوالي مليون نوع مهدد بالانقراض حاليًا.

لقد دفع هذا الوضع المأساوي جزءًا من المجتمع العلمي إلى وصف ما يحدث بالانقراض الجماعي السادس في تاريخ كوكب الأرض. لكن هذه المرة لا يُمكن توجيه أصابع الاتهام إلى كويْكب أو إلى عصر جليدي، بل إلى نشاط نوع بعينه هو الإنسان، هذا الكائن العاقل.

تغيير هذا الوضع نحو الأفضل أو الأسوأ، هي مسؤولية الإنسان، الكائن الوحيد القادر على إدراك خطورة ما يحدث وكيفية علاجه. وستكون المحاولة الكبرى القادمة خلال المؤتمر الخامس عشر للأطراف المتعلق بالتنوع البيولوجي (اختصارا COP15)، المقرر عقده في الفترة الفاصلة من 7 إلى 19 ديسمبر في مونتريال بكندا. ويظل الأمل في أن يتوصّل المشاركون في نهاية القمة، إلى توقيع اتفاقية تاريخية لوقف تدهور التنوع البيولوجي بحلول عام 2030 وإعادة انواع أخرى للحياة بحلول عام 2050 .

نتائج مخيبة للآمال حتى الآن

في عام 1992، وقّعت 196 دولة، بما في ذلك سويسرا، اتفاقية التنوع البيولوجي في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (قمة الأرض) في ريو دي جانيرو، بالتزامن مع توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ.

وأدت مؤتمرات الأطراف المنبثقة عن الاتفاقية الأولى إلى اعتماد اتفاق باريس للمناخ. وانبثقت عن اتفاقية التنوع البيولوجي أهداف آيتشي، وهو اسم المحافظة اليابانية حيث عقد مؤتمر الأطراف (كوب 10) الخاص بالتنوع البيولوجي في عام 2010.

حتى الآن، كانت النتائج مخيبة للآمال. وبالتأكيد أصبح سكان الكرة الأرضية أكثر إدراكا لأهمية التنوع البيولوجي، وزادت النسبة المئوية للمناطق المحمية، ولكن لم يتم تحقيق أي من الأهداف العشرين المرصودة لعام 2020 بشكل كامل، كما تقول كورنيليا كروغ، العالمة في جامعة زيورخ ومديرة مختبر BioDiscovery، التي ستشارك كمراقبة في مؤتمر الأطراف (كوب 15) المرتقب في مونتريال بكندا.

سمكات في شعب مرجانية

الأمر يتجاوز قضية المناخ

عندما نتحدث عن التأثير السلبي للنشاط البشري على الطبيعة، فإن تفكيرنا يذهب بالأساس إلى تغيّر المناخ وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، فإن الاحترار العالمي ليس سوى أحد العوامل التي تؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي، وعلى الرغم من أن هذا العامل أصبح مهمًا بشكل متزايد، إلا أنه ليس الأكثر أهمية في الواقع.

وتشير الخبيرة بجامعة زيورخ كورنيليا كروغ، إلى أن تحويل مساحات ما إلى أراض زراعية هو أحد العوامل الرئيسية المسببة لانقراض الأنواع الحية، يلي ذلك عامل التلوّث. ولا يتوقّف الأمر على المواد البلاستيكية في المحيطات فحسب، بل يشمل ذلك الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة أيضا”.

وتشارك العالمة السويسرية زملاءها في الاعتقاد بأن الاحتباس الحراري وفقدان التنوع البيولوجي مسألتان يجب معالجتهما بالتوازي وفي وقت واحد لتجنب أن يكون تحقيق أهداف مبادرات الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على حساب تنوع النباتات والحيوانات على سبيل المثال.

ومن ذلك أيضا إعادة التحريج على نطاق واسع لإنتاج  الطاقة الإحيائية . وتسمح الزراعة الأحادية لأشجار الحور بالتأكيد بامتصاص فعال لثاني أكسيد الكربون، ولكنها فقيرة جدًا على مستوى التنوع البيولوجي. وتحذّر منصة التقييم العالمي للتنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي (IPEBES) من أن تحل هذه المحاصيل أيضًا محل الأراضي المستخدمة في زراعة مواد غذائية أساسية، ما يُعرّض الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية للخطر أيضًا.

العقبات الرئيسية

تعرّض تنظيم مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (كوب 15) لاضطراب كبير. فقد كان من المقرر أصلا عقده في شهر أكتوبر 2020 في كونمينغ، عاصمة مقاطعة يونان، في الصين، ثم تم تأجيله عدة مرات، ليتم نقله لاحقا إلى مونتريال في كندا.

احتفظت الصين برئاسة المؤتمر ولكن لا يبدو أنها تُولي أهمية كبيرة لهذه القمة. ولم تدعُ بكين أيا من رؤساء الدول لحضورها بل اكتفت بدعوة وزراء ومسؤولين بمنظمات غير حكومية. ولن يحضر المؤتمر الرئيس الصيني شي جين بينغ نفسه، تمامًا كما لم يحضر من قبل مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب 27) الذي انتظم في شرم الشيخ بمصر في شهر نوفمبر الماضي. وتنضاف إلى هذه السلبية التي طبعت الجهود الصينية، مشاكل نقص الطاقة والغذاء الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، والتي تصدرت أولويات العديد من البلدان.

هذا على الحساب قبل الخوض في لبّ الموضوع، والمتمثّل في نقاط المشروع التي من المحتمل أن تقابل بمقاومة من طرف بعض البلدان. وقد حددت كورنيليا ثلاثة منها على وجه الخصوص، تتعلق بالتمويل: تتمثل المشكلة الاولى في صعوبة توفير الموارد المالية لتنفيذ أي اتفاق محتمل. فخلال مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ ( كوب 27)، كانت البلدان الصناعية الكبرى مترددة في المساهمة في توفير الموارد المالية المطلوبة.

وتتعلق النقطة الثانية بتقاسم المنافع بشكل عادل. وبعبارة أخرى، لابد من ضمان تدفق المنافع الاقتصادية المتحققة من مورد بيولوجي في بلد ما إلى البلد نفسه، وأن لا تذهب شكل حصري على سبيل المثال إلى الشركة متعددة الجنسيات التي تستغل هذا المورد.

وأخيرا، تطرح النقطة الحساسة المتعلقة بالإعانات وأشكال الدعم، حيث تخصّص العديد من الإعانات المتأـية من الأموال العامة (بما في ذلك في سويسرا) للأنشطة الزراعية عموما، ومن بينها بعض الأنشطة المضرة بالتنوع البيولوجي. ومن المرجح أن يواجه خفض هذه الإعانات في مشروع الاتفاق المنتظر مقاومة سياسية قوية.

على الرغم من كل هذه الصّعوبات، ترى كورنيليا كروغ بصيصا من الأمل. فإحدى الرسائل الواضحة الالتي صدرت عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (كوب 27) هي أن الطبيعة وإعادة إحيائها من جديد ضروريان لتحقيق أهداف المناخ. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القرار الذي اتخذ في شرم الشيخ بشأن إنشاء صندوق لتعويض البلدان النامية عن الخسائر والأضرار المتصلة بتغير المناخ هو أيضا خطوة هامة نحو حماية التنوع البيولوجي، الذي يظل عموما في وضع أفضل في البلدان النامية.

تحرير: فيرونيكا دي فوري

swissinfo

اقرأ ايضاً

البرلمان الأوروبي يدعم اتفاقية باريس للمناخ

شكرا للتعليق على الموضوع