مصطفى جودة يكتب: إلهامات جوائز نوبل 2023
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.
فى الثانى من أكتوبر أعلنت أكاديمية نوبل أسماء الفائزين بجائزة نوبل للطب لعام 2023، وكان الفائزان بها الدكتورة كاتالين كاريكو المجرية، والدكتور درو وايزمان الأمريكى والذى يعمل أستاذا فى جامعة بنسلفانيا، وأعلنت الأكاديمية أنهما فازا بها نتيجة تطويرهما تكنولوجيا أدت لتصنيع لقاح مضاد لفيروس كوفيد-19. وأعلنت الأكاديمية أن تلك التكنولوجيا كانت قيد التجريب، غير أنها استخدمت بمئات الملايين عقب تفشى وباء الكورونا. أعلنت الأكاديمية أنه يمكننا من خلال تطويرها تصنيع مختلف الأمصال بسرعة ضد أى مرض إذا ما تمكنا من معرفة التعليمات الجينية الصحيحة للاستخدام، وبالتالى يمكن أن تعمم لتستخدم فى علاج العديد من الأمراض مثل السرطان وغيره. هناك كثير من القصص الملهمة عن الدكتورة كاتالين أهمها أنه تم تعيينها عام 1989 كباحثة فى جامعة بنسلفانيا، وفى عام 1995 تقدمت بمقترح لإجراء أبحاث بخصوص طريقتها لتطوير تكنولوجيا اللقاحات تم رفض مقترحها البحثى، وتم رفض طلبها للتثبيت فى وظيفتها، وأبلغها المسئولون أن أبحاثها لا ترقى لمستوى الجامعة وأن المقترح يحوى مخاطر ولن يحصل على دعم مالى من المانحين للأبحاث، وأنه لا يوجد أمامها سوى خيار ترك الجامعة أو قبول عرض وظيفى مهين، وهو الأمر الذى قبلته على مضض لتتمكن من البقاء، ولتتمكن من إجراء أبحاثها. شاءالقدر أن تقابل الدكتور درو وايزمان بالصدفة أثناء طباعتهما بعض الأوراق فى غرفة الزيروكس عام 1997، وأنهما بدءا بعدها التعاون المشترك بينهما. فى عام 2015 تركت جامعة بنسلفانيا وقبلت عرضا من شركة فايزر لتعمل نائبا لرئيس شركة بايو إن تك التابعة لها فى ألمانيا، وهو الأمر الذى لم تتردد فى قبوله. سألها ممثل نوبل فى اتصاله بها بعد إعلان فوزها بساعة: أين كنت عندما أعلنت الجائزة، فأجابت أنها كانت نائمة، وأن زوجها رد على التليفون الوارد من الأكاديمية وأنه أيقظها عقبها ليخبرها، فظنت أن الأمر لا يتعدى كونه مزحة. سألها بعدها: ماذا تعنى لك الجائزة الآن؟أجابت أنه فى شهر أكتوبر منذ عشر سنوات تم طردى من جامعة بنسلفانيا. دعمنى زوجى ماديا ومعنويا بعدها وقال لى لا تأسى على شىء. عندما فصلت من عملى لم يكن لدى وقت لأندم وأتذمر وأردد فى غضب: لماذا أنا؟. أنا لا ألوم أحدا من الذين طردونى. أنا دائما أنظر للأمام ولا أنظر خلفى أبدا.أذكر أن أمى التى توفيت عام 2018، كانت دائما تنصت لإعلان الفائزين بجائزة نوبل أملا منها أن أكون ضمن الفائزين بها. كانت تقول لى أنت تعملين بجد وتستحقينها. كنت أقول لها إن كل العلماء يعملون بجد ولا يحصلون عليها، وأنا لا أملك مايؤهلنى للفوز بها، فأنا لم أحصل على الأستاذية بعد. سألها المذيع، هذا يدل على أن المثابرة تؤتى ثمارها. أجابته بأنها دائما تعمل وأن ابنتها الوحيدة تقلدها فى ذلك، وأضافت:أن طفلك دائما يقلدك ويتخذك قدوة، وهذا هو الذى جعل بنتى تجتهد دائما، وأنها أصبحت بطلة تجديف عالمية نتيجة مثابرتها.
ولدت دكتورة كاتالين فى 17 يناير 1955، بالمجر وعملت فى مجال البولوجيا الجزيئية لمدة 40 سنة عقب حصولها على الدكتوراه عام 1982، من جامعة زيجد المجرية. مازالت الأسرة تملك المنزل المتواضع فى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.
فى خطاب قبولها أول دكتوراه فخرية تمنحها جامعة هيومانيتاس المتخصصة فى العلوم الطبية فى 9 ديسمبر 2021،كانت تعكس فيه تواضعا وعلما وحكمة. ذكرت أنها دائما تتذكر طفولتها وتتذكر بعدها أنها اختارت البحث العلمى، وأن أمها كانت تعمل محاسبة وكان أبوها يعمل جزارا وأنها تعلمت فى طفولتها كيف تصنع السجق. أضافت أنه إذا رغب إنسان أن يكون عالما فإنه يصبح عالما، فإنه يتعين عليه أن يدرك أن تلك الرغبة ليست لتحقيق الشهرة، وأنك إذا كنت تبحث عن الشهرة فاعمل ممثلا. ثم أعطت نصائح كثيرة لمستمعيها: نحن ننفق معظم حياتنا فى العمل بالتالى فإنه يتعين علينا أن نحب ما نعمل ونتعلم كيفية التحكم فيما نتعرض له من إجهادات. كان ذلك الإدراك مهما بالنسبة لى، كنت أتذكر ضرورة تنفيذه كلما أخسر وظيفة أو فرصة جديدة. كنت أردد فى نفسى أن فرصا جديدة حتما ستأتى، ولا بد أن أنظر دائما للأمام. أيضا من الأشياء الأساسية التى يجب أن نتذكر دائما أن نعمل وأن نتعاون مع زملاء العمل. فى أمريكا رأيت زملائى ينشرون أبحاثهم فى مجلات أهم بكثير من المجلات التى أنشر فيها أبحاثى. من أجل ذلك أقول انظر دائما الى الزملاء واتبعهم فحتما ستحتاجهم وتحتاج عملهم يوما ما. اتبعهم وأدرس ما يعملون عندها سيساعدونك وسيمكنك ذلك أن تتعلم من الجميع فلا تتردد فى ذلك أبدا، ولا بد أن تخبر أولى الفضل عليك بأنك تقدر وتثمن دورهم. ختمت خطابها بنصيحة غالية لمستمعيها: ابحث عن رفيق الحياة المناسب. لقد قابلت زوجى عندما كنا طلابا. تزوجنا منذ 42 سنة. إنه يدعمنى دائما وينتقل الى بلاد مختلفة من أجلى. كان لدينا قليل من المال فى بداية زواجنا وبنتنا ذات العامين دائما معنا. لم يقل لى أبدا توقفى عن البحث العلمى واطبخى لى. عندما عرضت على وظيفة من شركة فايزر شجعنى أن أقبلها رغم أنها فى ألمانيا، وهو الأمر الذى يحتم على دوام التنقل والسفر. نصيحتى لكم ألا تختاروا بين الوظيفة والإنجاب، ودائما ابحثى عن الزوج المناسب الذى يهتم بأحلامك ويشاركك خياراتك. اتبعى أحلامك ولا تتردى أن تتعلمى من أى شخص.
ahram
اقرأ للكاتب