نانسى فتوح تكتب :العسكر يتجرد من زي المقاتلين ويرتدي زي الباعة المنافسين

من المعروف أن الجيش هو سلاح الدولة وهيبتها و حماية وتأمين حدودها مع دول الجوار، وحماية الشرعية الدستورية، والتصدي لما يهدد الأمن القومي المصري.

هذا ما تربت عليه عقيدتنا منذ نعومة أظافرنا فهو المعنى الحقيقي للمؤسسة العسكرية، فله كل التقدير والاحترام والسيادة.

 ولكن بعد ثورة 25 يناير بدأ تدريجيا التغير في مفهوم مهمة المؤسسة العسكرية، وبدأ بدخول الجيش في مستنقع السياسة الذي كنا نتمنى أن يكون بعيداً كل البعد عن إدارة شؤون البلاد، وأن يكون له الهيبة والوقار ببدلته العسكرية للتفرغ التام لتدريب المقاتلين لحماية حدود الوطن.

ولكن وجدنا أنفسنا في واقع غير محسوب .. وشيئاً فشيئاً .. بعد أن كنا نحسب أن الخطر كله يكمن في انخراط الجيش في بحر السياسة ، ذلك الأمر الذي جعل جنرالات العسكر يتسارعون على شاشات التلفاز لترسيخ عقيدة أن شرف الدفاع عن مصر أكبر من شرف حكم مصر والاستيلاء على السلطة، وتم اكتشاف الكذبه لاحقا عقب ثورة 25 يناير، الآن لم يكتفوا فقط بدخولهم ذلك البحر السياسي الذي يرهق جنودها البواسل من الحفاظ على حدود دولتنا العريقة.

بل جعلوه المؤسسة التجارية العملاقة التي تسعى إلى ابتلاع السوق ومنافسة التجار.

حتى نجد أنفسنا في قلب بحيرة الاقتصاد والبيزنس والتجارة، ويحدث ذلك كله تحت شماعة الخوف من سقوط الدولة إن لم نسلم نفسنا للجيش كي لا يفترسنا المتآمرون المتربصون.

فمع انفجار فضيحة التلاعب بلبن الأطفال سارعت الحكومة زاعمة أنها ستكسب حب شعبها بانتشال أطفاله من الضياع بتدخل الجيش بالحل السحري واستيراد ثلاثين مليون علبة حليب أطفال بسعر 30 جنيه للعبوة بعد ساعات قليلة من تظاهرة المواطنين وقطعهم لطريق شبرا الحيوي أمام معهد ناصر.

ولكن هنا نتساءل: من أين تم توفير وتخزين لهذه الكمية من ألبان الأطفال وتحت أي داعي؟

 ولماذا لم يتم إعطائها لمنافذ الدولة منذ أول أيام الأزمة ليتم ضخه لوزارة الصحة ؟

ولما هذا التحرك السريع من جانب الجيش؟

وهل الجيش منقذ لأزمات حقيقية أم مفتعلة؟

يصل المصريون في هذه المسألة إلى قناعتين إحداهما أسوأ من الأخرى: إن كان الجيش يعلم مسبقًا فتلك مصيبة، و إن كان لا يعلم فلماذا يوجد منتَج من هذا النوع تحت تصرفه؟

فهم يقومون بتعطيش السوق لتحقيق مكسب كبير وفي نفس الوقت اظهار العسكر على أنهم جهة الانقاذ الوحيدة في البلاد حتى لو كان لبن العصفور أو لبن الأطفال.

فهم يعلمون أن الغريق الذي يحتاج لمنقذ لن يفكر فيمن أنقذه لماذا يفعل ذلك ويتسبب في أزمة ثم يحلها، ويعلمون منطق تفكير المصريين انهم يأخذون القطعة الاخيرة من طرف الخيط التي لا يهمهم سواها وهي أن المشكلة تم حلها وشكرا لمن فعل ذلك .. !!

فلم يعد مستغربًا أنه حينما تتصدر مشكلة إلى الواجهة لا يجد المصريون حلها –الجزئي- إلا في اقتصاد الجيش الموازي، الذي يعمل في كل شئ وبكل شئ، فحينما تغلو أسعار اللحوم في مصر تظهر لحوم القوات المسلحة، وحينما تغلو السلع الأساسية تجد سلع القوات المسلحة في منافذها المنتشرة، والآن القوات المسلحة المصرية تشرف على منظومة التموين المصرية.

فهل نحن وصلنا إلى هذا الحد من المهانة والجشع والطمع حتى يتدخل الجيش فيما لا يعنيه حتى أن وصل إلى تصنيع مكرونة وصلصة ولبن للأطفال ؟

فهذا يعني تدخل الجيش في النهاية بشكل رسمي في بيزنس ألبان الأطفال هذا المجال الذي تحتل مصر فيه المرتبة رقم 15 عالميًا فى استيراد المنتج بـ 44 ألف طن سنويًا، من إجمالي حجم تجارة عالمي يبلغ 8 مليار دولار.

مما جعل نشطاء التواصل الاجتماعي يطلقون هاشتاج #لبن_العسكور وغيره ساخرين من النظام وطريقة استخدامه للجيش في السيطرة على منافذ الحياة في مصر في كافة المجالات.

فإمبراطورية الجيش الاقتصادية تبتلع بشكل يومي مجالًا من المجالات لصالحها بعيدًا عن تخصص الجيش العسكري دون أي سبب واضح سوى اعتماد النظام الحالي على القوات المسلحة في كل شئ داخل مصر.

ولكن تذكروا دائماً أن مهمة المؤسسة العسكرية هي حماية الحدود والتصدي لمن يهدد الأمن القومي حفاظاً على اسمه وقوته، وليس تدخلها في الحياة السياسية بل في كافة المجالات.

فنتمنى أن نرى اليوم الذي يعود فيه الجيش إلى مهامه المرموقة والهيبة والسيادة والحماية التي أسّس من أجلها.

فعودوا إلى مقاعدكم لوضوح الرؤيا قبل أن تجعلوا منا وطن مهمّش وفتات دولة.

اقرأ للكاتبة :

 انتبه من فضلك فمصر ترجع إلى الوراء

أحلام البنات ما بين الواقع .. والخيال

الغباء إلاعلامي .. والانهيار السياحي

البلد دي ليها صاحب

غيوم .. وصمود شعب ..

شكرا للتعليق